top of page

لماذا يبحث السلطعون عن شمّاعة؟

  • صورة الكاتب: عبدالله الشرهان
    عبدالله الشرهان
  • 3 ديسمبر 2024
  • 4 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 2 فبراير


ree


في كل مرة أروي فيها قصة إنتاج مسلسل "حمدون"، أجد من يختارون الأسهل لتفسير الأمر. فعندما أتحدث عن شخصية كرتونية ابتكرتها، والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني بميزانية تصل إلى الملايين، يقال: "لابد أنك تلقيت مساعدة"، أو "أكيد كانت هناك واسطة".، أو المفضلة لديّ: "ربما اختيارك كان لأنك مواطن". يبدو الأمر وكأن تحويل فكرة كرتونية إلى مسلسل تلفزيوني كامل الإنتاج يشبه العثور على مصباح علاء الدين—تفركه مرة، ويظهر الج.. أقصد المستثمر قائلاً: "ماذا تريد؟ رسوم متحركة للأطفال بميزانية مليونية؟ اعتبره قد تم!"، وكأن إقناع أحدهم بالاستثمار في شخصية كرتونية وسط سوق مكتظ بالعقارات والأسهم؟ يبدو في نظر البعض كأنني مشيت على الشاطئ ووجدت حقيبة مليئة بالملايين، لأن الحظ كما تعلمون يُحب الجري خلف رسامي الكرتون في عطلاتهم.


وإن كان ذلك غير كاف، فهم نفسهم يصدقون أن صاعقة الحظ تضرب نفس المكان مرتين، فتأتي لحظة كبيرة أخرى: عندما تم اختياري من بين مئات المرشحين لإخراج البرنامج التلفزيوني "افتح يا سمسم" والذي يُعد من أعمدة الإعلام العربي. وكالعادة، الأعذار جاهزة: "لا بد أن المنصب مخصص لمواطن". أوه، بالطبع، لأن الجدارة والموهبة في عصرنا الحديث مجرد كلمات خالية من المعنى!


عندما تسمع شخصًا يقول: "إنه محظوظ"، أو "هذا لأنهم بحاجة لمواطن"، تشعر وكأن سنوات من الكدح والإبداع قد اختُزلت إلى مصادفة سخيفة. الأسوأ؟ هذه التعليقات غالبًا ما تأتي من أشخاص يُفترض أنهم يعرفون حجم الجهد المطلوب للوصول إلى هذه الإنجازات.


شماعات النجاح

دعنا نواجه الأمر: دائمًا ما تكون هناك شماعات جاهزة لتعليق نجاحاتك عليها. "لقد نجح لأنه من عائلة معروفة"، أو "بفضل جنسيته"، أو الأفضل: "مجرد حظ". لماذا نحتاج إلى الاعتراف بجهود الآخرين بينما يمكننا بسهولة تقليصها إلى شيء خارج عن إرادتهم؟ لكن المشكلة ليست فقط في الكلمات، بل في الطريقة التي تتسلل بها إلى أعماقك. تبدأ في التساؤل: "هل أنا حقًا جيد بما يكفي؟ أم أن كل هذا مجرد حظ غريب؟". ثم تجد نفسك عالقًا في دائرة مفرغة من الشك. فهل هناك سبب يدفع الناس إلى فعل ذلك ببعضهم؟


هناك عدة نظريات ودراسات في علم النفس والاجتماع تدعم وتفسر الظاهرة التي تحدثت عنها، وهي محاولة تحجيم نجاح الأفراد أو التقليل منه عبر ربطه بعوامل خارجية مثل الحظ أو النسب. من بين هذه النظريات:

 

1. نظرية التهديد الإدراكي (Cognitive Threat Theory):

  • هذه النظرية تشير إلى أن الناس قد يشعرون بالتهديد النفسي أو الاجتماعي عندما يلاحظون نجاح شخص آخر. للتخفيف من هذا الشعور، يحاولون تقليل قيمة إنجازاته أو إرجاعها لعوامل خارجية، مثل الحظ أو الامتيازات الشخصية.

  • هذا السلوك يُعرف في علم النفس بـ"تقليل الإدراك الاجتماعي"، وهو محاولة لتفسير النجاح بطرق تقلل من الضغط النفسي على المتحدث.

 

2. نظرية المقارنات الاجتماعية (Social Comparison Theory):

  • طوّرها عالم النفس ليون فستنغر عام 1954، وتفترض أن البشر لديهم ميل فطري لمقارنة أنفسهم بالآخرين لقياس مكانتهم وقدراتهم.

  • عندما يشعر شخص ما بأنه أقل من الآخرين، يلجأ إلى تفسير نجاح الآخرين بطرق تقلل من تأثير المقارنة السلبية، مثل ربط النجاح بعوامل خارجة عن سيطرة الشخص الناجح.

 

3. ظاهرة متلازمة السلطعون (Crab Mentality):

  • هذه الظاهرة مستمدة من سلوك السرطانات في الدلو: إذا حاول أحدها الخروج، يسحب الباقون قدميه إلى الأسفل، وكأنهم لا يريدون لأحد أن ينجح.

  • على المستوى النفسي والاجتماعي، يُترجم هذا السلوك إلى محاولة عرقلة الآخرين من تحقيق النجاح أو التقليل من شأنهم إذا نجحوا.

 

4. النظرية الذاتية (Self-Concept Theory):

  • هذه النظرية تشرح أن الصورة التي يحملها الشخص عن ذاته (الصورة الذاتية) تلعب دورًا رئيسيًا في نجاحه أو فشله.

  • عندما يُحاط الفرد بانتقادات أو محاولات للتقليل من نجاحه، قد يتأثر مفهومه الذاتي ويبدأ في تصديق أن إنجازاته ليست نتيجة لقدراته.

 

5. النظرية التأسيسية للجدارة (Meritocracy Myth):

  • تتحدث عن الاعتقاد بأن النجاح يعتمد فقط على العمل الجاد، بينما الواقع يثبت أحيانًا أن عوامل خارجية (كالتحيزات المجتمعية أو المحسوبيات) قد تلعب دورًا.

  • عندما يُربط النجاح بعوامل خارجية باستمرار، يتأثر الإبداع والتحفيز الذاتي.

     

بين الشك والجحود

فإذا شعرت يومًا أن نجاحاتك كانت دائمًا مرتبطة باختيار تصديق الأسهل، فتفسر بنسبك، أو وضعك المادي أو ظروفك، وكأن العمل الشاق الذي بذلته مجرد عنصر هامشي. فاعلم أن هذا الشعور، على عبثيته، ليس جديدًا. إنه مجرد نسخة اجتماعية من "متلازمة السرطانات"، تلك التي تسحب بعضها بعضًا إلى الأسفل في الدلو كي لا ينجو أحد.


فعلم النفس يحتوي على وصف دقيق لهذه الظاهرة: "متلازمة السرطانات". السرطانات التي تحاول الخروج من الدلو تُسحب باستمرار للأسفل بواسطة زميلاتها. هل تعرف الترجمة اجتماعية لذلك؟ إذا شعرت أنك تتقدم، لا تقلق، هناك دائمًا من سيحاول إعادة تعيين موقعك إلى نقطة البداية.


ونظرية المقارنات الاجتماعية تؤكد ذلك: نحن كبشر نميل إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين. وعندما لا تُعجبنا النتيجة، نُقلل من قيمة نجاحاتهم لنشعر بالراحة.


الإبداع تحت الضغط

الإبداع بطبيعته يحتاج إلى مساحة من الطمأنينة النفسية. لكن ماذا يحدث عندما تجد نفسك مُحاصرًا بالتشكيك؟ تصبح في سباق دائم لإثبات أنك تستحق النجاح، ليس أمام نفسك فقط، بل أمام عالم يرى أن إنجازاتك ليست ملكك.

أنا شخصيًا تركت صناعة الرسوم المتحركة لمدة ست سنوات. ليس لأنني شككت في قدراتي، بل لأنني تعبت من محاولة إثباتها. لكن هناك شيء تعلمته: الصمت ليس دائمًا الحل.


العودة بدافع التحدي

كل مرة شكك فيها الآخرون بإنجازاتي كانت بمثابة وقود جديد. لم أعد لأقنعهم، بل لأثبت لنفسي أنني قادر.

بدأت أرى النجاح كوسيلة لتحدي ذاتي. كل مشروع أنجزته، وكل جائزة حصلت عليها، كانت دليلاً إضافيًا على أن النجاح لا يُمنح، بل يُبنى.


النجاح يبدأ من الداخل

إذا كنت تريد نجاحًا لا يستطيع أحد تفسيره بعيدًا عنك، فعليك أن تبدأ بالنظر إلى نفسك. النجاح لا يُقاس بما يقوله الآخرون، بل بما تقدمه أنت لنفسك.

عندما تدرك أن النجاح رحلة فردية، ستتوقف عن الاهتمام بالمقارنات. وتركّز على ما تستطيع تحقيقه، وتكون أفضل نسخة من نفسك.


مواجهة التشكيك

هذه التجربة جعلتني أتعلم كيف أتعامل مع من يحاول التقليل من نجاحي وذلك من خلال:

  • الثقة بالنفس: معرفة قيمتك ولا تدع أحدًا يُعيد تعريفها.

  • الإصرار: اجعل التشكيك وقودًا يدفعك للأمام.

  • التجاهل: ليس كل رأي يستحق الرد.


تذكر دائمًا: النجاح لا يحتاج إلى تبرير. أنت من يصنعه، وأنت من يملك الحق في الاحتفال به. دع إنجازاتك تتحدث، واترك الآخرين يبحثون عن شماعات جديدة.

 
 
 

تعليقات


Subscribe and stay on top of our latest news and promotions

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث الأخبار والعروض أولاً بأول

  • Black Facebook Icon
  • Black Twitter Icon
  • Black Instagram Icon

©2024 Abdulla Alsharhan

isharhan.com

bottom of page